جوقة غزة للشباب... سلام لكل العيون الحزينة

جوقة غزة للشباب... سلام لكل العيون الحزينة

28 ابريل 2024
استعادت الفرقة أغنية "بكتب اسمك يا بلادي" (مؤمن فايز / Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جوقة غزة للشباب، بالتعاون مع معهد إدوارد سعيد وشركة نرويجية، أصدرت أسطوانة "تحية لغزة" تجمع الأغاني التراثية والحديثة للتعبير عن الهوية الفلسطينية والعربية، بدعم من النرويج.
- الأسطوانة، التي سُجلت في رام الله وغزة، تعد من أهم إنتاجات معهد إدوارد سعيد للموسيقى في غزة لكن بقيت الجوقة بعدها دون إصدارات أخرى بسبب صعوبات التجميع.
- تعكس الأعمال الموسيقية، وخصوصًا أغنية "سلام لغزة"، الروح الثورية والصمود الفلسطيني، مستخدمة الموسيقى كوسيلة للتعبير عن الأمل والمقاومة في وجه الاحتلال.

تثير تجربة جوقة غزة للشباب كثيراً من الدهشة والإعجاب. أغنياتها العشر جاءت تعبيراً عن أفضل ما يمكن أن يخرج من أداء جماعي لفرقة ضمت نحو 40 شاباً وفتاة، مع حرص المنتجين على توفير كل وسائل الدعم الفني والتقني، ولتجمع الأسطوانة بين أغنيات حديثة كتبت خصيصاً للفرقة، وأغنيات تراثية، لها مكانتها في الوجدان الشعبي الفلسطيني والعربي.

لكن، في الوقت عينه، تثير التجربة قدراً من الأسى والتعجب، إذ رغم مرور قرابة ثماني سنوات على إطلاق أسطوانة "تحية لغزة"، بقيت جوقة غزة للشباب واحدة من فرق "الألبوم الواحد"، حتى مع النجاح وجودة العمل. اشتركت جهات عدة وأفراد عديدون في إنجاح الألبوم الأول والأخير. ويبدو أن كثرة الجهات والأفراد صعبت مهمة التقائهم مرة أخرى.

جوقة غزة للشباب هي إحدى الفرق التابعة لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وتحديداً فرع غزة، وصدر ألبومهم الوحيد عام 2016، بتعاون بين المعهد وشركة Kirkelig Kulturverksted (كي كي في) النرويجية، بدعم من وزارة الخارجية النرويجية، وممثلية النرويج في فلسطين، من خلال المنتج الفني أريك هيليستاد، وإشراف تقني لمهندس الصوت النرويجي مارتن أبراهمسن، وصمم لوحات الأسطوانة الفنانة اللبنانية تانيا صالح.

ضمت الأسطوانة ست أغنيات تراثية، هي: "موطني"، و"زوروني كل سنة مرة"، و"بكتب اسمك يا بلادي"، و"لما بدا يتثنى"، و"الحلوة دي"، و"يما مويل الهوا". كذلك ضمت من الأعمال الجديدة موال "يا حروف الوطن"، و"وطني يا مهد الأحرار"، و"تحية  لغزة"، التي أخذ منها الألبوم عنوانه، وأيضاً ضمت الأسطوانة معزوفة عنوانها "الأغنية التي كتبتها لك"، وتراوح زمن الأغنيات بين دقيقتين ونصف إلى ست دقائق.

بدأت الأسطوانة بواحد من أشهر الأناشيد الفلسطينية، الذي وضع كلماته ابن مدينة نابلس، الشاعر إبراهيم طوقان (1905 - 1941)، ولحنه الموسيقي اللبناني محمد فليفل (1899 ــ 1986)، المتمرس بالموسيقى العسكرية، ويقول مطلعه: "موطني الجلال والجمال.. والسناء والبهاء في رباك.. والحياة والنجاة.. والهناء والرجاء في هواك.. هل أراك".

جاء أداء جوقة غزة للشباب جماعياً متماسكاً في غاية القوة، وحرص المشرفون على إخراج الأسطوانة على أن تكون نسختهم من النشيد متوافقة تماماً مع اللحن الأصلي المتسم بالحماسة، ولا سيما بعد أن تكرر أداؤه من بعض المطربين الفلسطينيين بإيقاع أبطأ، وأسلوب هادئ، قد يكون أقرب إلى التطريب، وهو ما أفقد النشيد روحه الثورية الشابة المتدفقة. هكذا، أعادت جوقة الشباب النشيد إلى مكانته.

في عام 1973، كتب المطرب اللبناني إيلي شويري (1939 ــ 2003) ولحّن نشيده الذي اشتهر لاحقاً "بكتب اسمك يا بلادي"، فصار من أكثر الأناشيد انتشاراً في الأراضي الفلسطينية عموماً، وقطاع غزة خصوصاً. اختارت الفرقة النشيد ليكون ضمن محتويات الأسطوانة، ويبدو أن طارق عبوشي الذي أشرف على توزيع عدد من أغنيات الألبوم، مال في هذا النشيد إلى توزيع يحافظ كثيراً على الروح الشرقية التي يتسم بها العمل؛ فجاء في غاية الإطراب والشجن.

تقول كلماته: "بكتب اسمك يا بلادي.. ع الشمس الما بتغيب.. لا مالي ولا ولادي.. على حُبِّك ما في حبيب.. يا دار الأوفى دار.. ياللي بقلِك الأشعار.. تِبقي ع الدايم مضوية.. مزروعه مجد وغار.. ع البرج العالي وقفوا الخِيالي.. وسيوف تلالي.. وشمسِك ما تغيب.. لا مالي ولا ولادي.. على حبِّك ما في حبيب".

ومن أهم مكونات الأسطوانة، موال "يا حروف الوطن"، من كلمات محمود أبو سمرة وألحان أحمد أبو داود، موظفاً حروف كلمة "فلسطين" بعد مقدمة تقول: "والله يا حروف الوطن مثل العقد في الصدر ما أحلاه.. ثم تتوالى الكلمات: الفاء فلسطين الحبيبة ما أغلا الوطن يا عرب ما أغلاه.. واللام لما اتوحدوا كان الحجر مقواه.. والسين سؤال السجين.. وين الفرج ألقاه.. والطا طلعت بدر على الشهيد في ثراه.. واليا يا أهل المراجل لمّ الشمل ما أحلاه.. والنون نون النبي قدسنا مسراه". بالطبع، الموال لا يصلح لغناء جماعي، فاختارت الجوقة صوتين لشاب وطفل، ليغني كل واحد منهما إحدى شطرات الموال، الذي فرض السياق تلحينه مسبقاً، بالمخالفة للمعتاد من ارتجال في الأغلبية الساحقة من المواويل.

موسيقى
التحديثات الحية

بعد الموال، تأتي أغنية "وطني يا مهد الأحرار"، من كلمات إبراهيم داود وألحان إبراهيم النجار، وتميز نصه بالتغني لمختلف أجزاء الوطن الفلسطيني: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس، يقول: "وطني يا مهد الأحرار.. يا قلعة حب وفخار.. يا نجما كلله الغار.. يعلو هامات الثوار.. ستعيد لوطني ماضيه.. مهما طال الليل وجار.. وأذان النصر سنعليه فوق القدس وكل مزار.. غزة هاشم أرض النار.. والضفة إكليل الغار.. والقدس عروس الأحرار.. والمهد كنيسة أنوار".

"سلام لغزة"، هي الأغنية الأخيرة والرئيسة في الألبوم، وهي أيضاً الأطول زمنياً بمقدار ست دقائق، وضع كلماتها فؤاد سروجي، ولحنها سهيل خوري، بتوزيع النرويجي خيتيل بييركستراند، وتضمنت معانيها تحية إكبار لأهل غزة وصمودهم في وجه الاحتلال. جاءت كلماتها في صورة قصيدة، وجاء لحنها أقرب ما يكون إلى قالب الطقطوقة، بحيث صار مطلعها مذهباً يتكرر بين أغصان ثلاثة.

موسيقى
التحديثات الحية

بعد مقدمة حماسية تنتمي إلى عالم المارشات العسكرية، يبدأ المذهب: "سلام لغزة سلام سلام.. سلام لكل العيون الحزينة.. تفيض دموعها بأساً وعزة.. سلام سلام لغزة سلام. ثم يأتي الغصن الأول: سلام لشعب أبيّ عنيد.. بسهل خزاعة يلمّ الحصيد.. وحين يصدّ وحوش الحروب.. يشيع في كل يوم شهيد.. ويصمد في وجه كل الخطوب.. بعزم وفخر وبأس شديد.. فقد علمته قضايا الشعوب.. بأن الحديد يفلّ الحديد".

وباللحن نفسه تقريباً، يأتي الغصن الثاني: "سلام لغزة خلف الحدود.. بصبر وعزم لجمع القيود.. لطفل قضى تحت قصف المباني.. لأم تعاني وشاب يخوض.. تضج دماؤه بالعنفوان.. ويعرض فوق عيون السماء.. ويفرض فوق الركام انتصار.. لغزة شعب يفك الحصار". ثم يأتي الغصن الثالث: "سلام سلام لشط رفح.. وفي بيت لاهيا ودير البلح.. وللبرتقال بحوض المغازي.. مزارع أرض لفجر سرح.. يشد الخطا رغم أنف الجنود.. وصياد بحر تحدى الوعود.. سلام لشعب عزيز مقاوم.. يقدم درساً بعلم الصمود". لا ريب أن الكلمات في هذه الأغنية تقاسمت البطولة مع اللحن الحماسي والأداء القوي للمجموعة.

سُجلت موسيقى الأسطوانة خلال ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 في استوديو المعهد الوطني للموسيقى في رام الله، ثم استكملت في يناير/ كانون الثاني 2016 في استوديو أصايل في غزة، وكانت أهم إنتاج معهد إدوارد سعيد للموسيقى في قطاع غزة، الذي تديره منال عواد، والتي قالت في تصريحات صحافية متكررة إنها -منذ السابع من أكتوبر- لا تعرف أي شيء عن المعهد، ولا إن كان مبناه ما زال قائماً، أو قد هدم تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي الشديد الذي طاول المنطقة حوله.

ظل المعهد لسنوات يمثل أهم مؤسسة موسيقية في القطاع، وعمل دوماً على ترسيخ الهوية الموسيقية الفلسطينية، وإحياء التراث الغنائي الفلسطيني، وكانت "جوقة غزة للشباب" من أهم ثمرات اهتمامه بالأجيال الجديدة. لكن من يستمع إلى أغنيات الأسطوانة، فسيتطلع حتماً إلى أعمال جديدة للفرقة، وهو ما تستبعده الأهوال التي تعانيها غزة وشعبها.

المساهمون