العلاقات الأميركية الفلسطينية إلى أين؟

العلاقات الأميركية الفلسطينية إلى أين؟

28 ابريل 2024
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستقبل وزير الخارجية أنتوني بلينكن (جاكلين مارتن/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس ينتقد استخدام الولايات المتحدة الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، معتبرًا ذلك عدوانًا على حقوق الشعب الفلسطيني وتحديًا للمجتمع الدولي.
- الضغوط الأمريكية على السلطة الفلسطينية لإجراء إصلاحات تُعد تعديًا على صلاحياتها، في سياق تهيئتها لحكم قطاع غزة، وسط انتقادات لأدائها وفسادها.
- العلاقات المتوترة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة تعكس التبعية العميقة للسلطة للسياسات الأمريكية وعدم قدرتها على تحقيق استقلالية في قرارها الوطني.

صرحَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن"، لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، بعد فشل مجلس الأمن الدولي في تبني قرارٍ يعترف بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتّحدة بسبب الفيتو الأميركي، قائلًا إنّ هذا "الفيتو الأميركي يشكل عدوانًا سافرًا على حقوق شعبنا، وتحديًا لإرادة المجتمع الدولي"، إذ استخدم أوصافًا شديدة الحدّة تجاه الموقف الأميركي الذي اعتبره "مخزيًا، وغير مسؤولٍ ولا مبررًا، ومخيبًا للآمال". ما أثار تساؤلاتٍ حول مستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية، خصوصًا بعد تلميح الرئيس "أبو مازن" إلى عزم القياد الفلسطينية على وضع "استراتيجيةٍ جديدةٍ لحماية القرار الوطني الفلسطيني المستقل، والسير وفق أجندةٍ فلسطينيةٍ، وليس وفق رؤيةٍ أميركيةٍ، كما أن الفلسطينيين لن يبقوا رهائن هذه السياسات التي ثبت فشلها".

تصريحات الرئيس الفلسطيني الحادة تجاه الولايات المتّحدة، غير مرتبطةٍ بالفيتو الأميركي فقط، بل بالشعور المتعاظم بالضغط الذي تمارسه الولايات المتّحدة على السلطة الفلسطينية، من أجل إدخال إصلاحاتٍ جذريةٍ في هيكلها وبنيتها وسياستها، وهو ما بات يعرف بـ"السلطة المتجددة"، وهو ما اعتبره أبو مازن تعديًا على صلاحياته، ومحاولةً للانقلاب عليه أو تهميشه، خصوصًا بعد مطالبتها بتعين نائبٍ للرئيس، ومنح صلاحياتٍ أوسع لحكومة كفاءاتٍ، رُشحَت لتوليها أسماء عديدةٌ، كان القاسم المشترك الوحيد بينها كلّها أنّها على خلافٍ شديدٍ، وخصومةٍ مع الرئيس أبي مازن.

لا يمكن النظر إلى تصريح الرئيس أبي مازن بمعزلٍ عن هذا الفصل من العلاقات والمطالب، التي تتبنّاها الإدارة الأميركية

انحيازٌ مطلقٌ لإسرائيل وسلطةٌ ضعيفة

أظهرت الولايات المتّحدة انحيازًا سافرًا ودعمًا غير محدودٍ لإسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وحرب الإبادة التي شنتها الأخيرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. كما أدى عجز إسرائيل عن حسم المعركة لصالحها، وتحقيق أهدافها؛ القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين من قبضة المقاومة في غزّة، والعزلة التي باتت تعاني منها الولايات المتّحدة جراء هذا الفشل وحمام الدم والإبادة التي تنفذها إسرائيل منذ قرابة 200 يومٍ، إلى سعيٍ أميركيٍ للبحث عن مخرجٍ، يتمثّل في تهيئةٍ السلطة الفلسطينية للعب دورٍ في حكم القطاع في اليوم التالي للحرب.

عجز السلطة الفلسطينية وتخبطها العميق في أزمةٍ ماليةٍ وسياسيةٍ، وانحسار نفوذها في الضفّة الغربية، إلى جانب تزايد انتقاد أدائها وفسادها المستشري في هياكلها، التي لم تشهد انتخاباتٍ منذ قرابة عقدين من الزمن، وسيطرة الرئيس المطلقة عليها، بسبب الانقسام الداخلي والخلاف مع حركة حماس، جعل السلطة غير ذات صلةٍ في كلّ ما يرسم لمرحلة "اليوم التالي للحرب"، ما دفع إلى البحث عن بدائل أخرى، على شكل لجانٍ عربيةٍ أو دوليةٍ، تتولى إدارةً مؤقتةً للقطاع، في أبعد الأحوال، أو تحديث السلطة تحديثًا جذريًا، وإعادة تأهيلها من جديدٍ وفق المقاييس الأميركية والإسرائيلية في أحسن الأحوال.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

توترٌ في العلاقات وانعدام البدائل

وصفت التقارير الإعلامية اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الرئيس أبي مازن، خلال جولاته في المنطقة، بالمتوترة والحادة، بسبب إصرار الولايات المتّحدة على إدخال إصلاحاتٍ جذريةٍ على هيكل السلطة، وهي مطالب وجهت بتعنتٍ وعدم جديةٍ من قبل الرئيس أبي مازن. لا يمكن النظر إلى تصريح الرئيس أبي مازن بمعزلٍ عن هذا الفصل من العلاقات والمطالب، التي تتبنّاها الإدارة الأميركية، ما يجعلها مناورةً ومحاولةً لممارسة ضغطٍ على الأخيرة كي تعدل عن محاولاتها.

يتضح من السياق التاريخي للعلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتّحدة أنّ غاية ما يرجوه الرئيس الفلسطيني من هذه التصريحات هو عودة العلاقات إلى ما قبل 7 أكتوبر، ورفع الفيتو الأمريكي، أو ممارسة ضغطٍ على بنيامين نتنياهو، من أجل السماح بعودة السلطة إلى غزّة، وممارستها دورًا واضحًا في "اليوم التالي للحرب".

تصريحات الرئيس الفلسطيني الحادة تجاه الولايات المتّحدة، غير مرتبطةٍ بالفيتو الأميركي فقط، بل بالشعور المتعاظم بالضغط الذي تمارسه الولايات المتّحدة

لا توجد أيّ مؤشراتٍ تفيد بأن هناك جديةٌ لدى السلطة في البحث عن "استراتيجيةٍ جديدةٍ" في العلاقة غير المتكافئة، وغير المجدية مع الولايات المتّحدة، بل على العكس من ذلك، نجد أن كلّ تطلعات السلطة الفلسطينية، في المرحلة القادمة، مرهونةٌ بالتوافق مع الطرح الأميركي والانسجام معه.

قامت العلاقة الفلسطينية الأميركية على التبعية، وعدم التكافؤ، والقبول الضمني بالانحياز الأميركي لإسرائيل، مع التسليم بعدم وجود (أو السعي إلى خلق) بديلٍ دوليٍ أو اقليميٍ يمكن أن يلعب هذا الدور، وينافس الولايات المتّحدة في احتكارها رعاية السلطة، وعملية السلام التي أوجدتها، وهو ما يجعل مستقبل السلطة مرهونًا بهذا الدور، ويقضي كلّيًا على الآمال بقفزةٍ ثوريةٍ وجذريةٍ تقوم بها السلطة الفلسطينية، للتحرر من ربقة هذه التبعية.

المساهمون