العنف السياسي في ألمانيا يغذيه تقدم اليمين المتطرف

العنف السياسي في ألمانيا يغذيه تقدم اليمين المتطرف

09 مايو 2024
تظاهرة لـ"إنقاذ الديمقراطية ووقف النازية"، برلين، الأحد (كريستيان مانغ/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحزب الاجتماعي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتز يتخذ موقفًا حازمًا ضد العنف السياسي والكراهية في ألمانيا، مستخدمًا ذلك كشعار انتخابي ردًا على الهجمات ضد السياسيين مثل ماتياس إيكي.
- وزيرة الداخلية الألمانية تتهم اليمين المتطرف بتحمل مسؤولية العنف، مؤكدة على ضرورة الحزم لحماية الديمقراطية، في ظل تصاعد الهجمات ضد السياسيين مثل فرانسيسكا غيفاي.
- تظاهرات شعبية وإعلانات مشتركة من سياسيين ألمان من مختلف الأحزاب تدين العنف السياسي، مع تزايد القلق من تقدم "البديل من أجل ألمانيا" في استطلاعات الرأي، مما يشير إلى تحديات كبيرة للديمقراطية الألمانية.

يرفع الحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط)، بزعامة المستشار الألماني أولاف شولتز، شعاراً انتخابياً في الطريق نحو انتخابات البرلمان الأوروبي، الشهر المقبل، وانتخابات محلية في الخريف المقبل، مختصراً من خلاله الأجواء المسمومة، والتي يؤججها العنف السياسي في ألمانيا. "ضد الكراهية والتحريض"، هو الشعار الذي يهيمن، منذ مساء الجمعة الماضي، بعدما تعرّض مرشح رئيسي من حزب شولتز، هو ماتياس إيكي، من ولاية ساكسونيا، لهجوم أثناء تعليق ملصقات انتخابية في مدينة دريسدن.

وأثار الهجوم على إيكي (41 عاماً)، عضو البرلمان الأوروبي والمرشح لانتخابات يونيو/ حزيران المقبل، مخاوف في صفوف المنخرطين في السياسة الألمانية. مع العلم أن الحادثة التي أدت إلى إدخال الرجل إلى غرفة العمليات في ساكسونيا ليست معزولة عن حوادث مشابهة، فقد تعرض شخص كان يعلق ملصقات حزب الخضر الانتخابية للضرب، كما تعرّض اجتماع لحزب البديل من أجل ألمانيا لهجوم من شبان وشابات فوضويين قبل فترة قصيرة.

علماً أن آخر الهجمات حصلت أول من أمس الثلاثاء، واستهدفت فرانسيسكا غيفاي، من حزب شولتز، وهي عضو مجلس الشيوخ عن برلين وعمدة المدينة السابقة. وقالت الشرطة الألمانية، أمس الأربعاء، إن رجلاً ضرب غيفاي بحقيبة تحتوي على جسم صلب في برلين، ما أدى لإصابتها إصابة طفيفة نُقلت على أثرها إلى المستشفى لفترة وجيزة، لمعالجة الألم. من جهتها، كتبت غيفاي على منصة إنستغرام عقب الهجوم: "نحن نعيش في بلد حر وديمقراطي يتمتع فيه الجميع بحرية التعبير عن آرائهم"، مضيفة أنه "مع ذلك هناك حد واضح وهو العنف ضد الأشخاص الذين لديهم رأي مختلف، لأي سبب كان، وبأي شكل من الأشكال"، وقالت إن ذلك تعد على الحدود "التي يجب علينا كمجتمع أن نعارضه بحزم".

فيزر: أعمال العنف تُظهر إلى أين يقود الاعتداء السياسي

وأبدى المستوى السياسي فور انتشار أخبار الاعتداء في دريسدن خوفه من "الأجواء المسمومة"، وحمّل اليمين المتطرف مسؤولية العنف، معتبراً أن ما حدث "هجوم مباشر على الديمقراطية". وعبّرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر صراحة عن "مسؤولية مشتركة لأولئك الذين يهاجمون الديمقراطية، وبصورة خاصة الجناح اليميني المتشدد". وشدّدت فيزر في تصريحات نقلتها صحيفة راينيش بوست الألمانية، على أن "أعمال العنف الوحشية تُظهر إلى أين يقود الاعتداء السياسي"، داعية الشرطة إلى تكثيف حضورها خلال الحملة الانتخابية، مطالبة الطبقة السياسية بـ"أن تكون أكثر صرامة مع اليمين المتطرف".

العنف السياسي في ألمانيا يتزايد

أخبار العنف السياسي في ألمانيا ضد المرشحين وحملاتهم الانتخابية ليست جديدة في البلاد. فقد تعرضت ملصقات "البديل من أجل ألمانيا" للتخريب في خريف العام الماضي، ورسم الصليب النازي على الملصقات مع عبارة "نازيون" على ملصقات بعض المرشحين لانتخابات محلية. كما تعرّض أخيراً اجتماع للحزب نفسه لهجوم ملثمين نُسبوا إلى جماعات فوضوية. ويثير "البديل" منذ تأسيسه قبل نحو عقد من الزمن جلبة حيال توجهاته السياسية والقومية المتشددة. فقد رفض أحد مؤسسيه ألكسندر غاولاند، قبل بضعة أعوام، اعتبار الحقبة النازية مدعاة للخجل، كما ضُبط بعض منتسبي الحزب وهم يمجدون النازية، متوعدين بالوصول إلى السلطة على طريقة حزب أدولف هتلر (الحزب النازي)، في بداية ثلاثينيات القرن الماضي.

ويعبّر الاهتمام بالهجمات الأخيرة، وتوجيه الاتهامات إلى "البديل" ومؤيديه، عن مخاوف من اجتذاب اليمين المتطرف عناصر شبابية مراهقة، مستعدة لاستخدام العنف ضد مرشحين من اليسار ويسار الوسط. فقد أعلنت الشرطة في ولاية ساكسونيا، الأحد الماضي، أن شاباً في الـ17 من عمره سلًم نفسه، معترفاً بأنه شارك في الاعتداء على إيكي. وفي وقت لاحق، اعتقلت الشرطة ثلاثة شبان آخرين، أول من أمس، بين الـ17 و18 من العمر، على خلفية الاعتداء على الناشط من حزب الخضر الذي كان يعلّق ملصقات. 

دفع الجو المسموم على خلفية العنف السياسي في ألمانيا إلى خروج نحو ثلاثة آلاف شخص بتظاهرة في دريسدن، ونحو ألف شخص في العاصمة برلين، مساء الأحد الماضي، منددين بالعنف ذي الدوافع السياسية. وقال رئيس وزراء ولاية شمال الراين-وستفاليا هندريك فوست، أمام المتظاهرين من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ، إن "الهجوم في دريسدن يذكرنا بأحلك الفصول في التاريخ الألماني". وتعيد الإشارة هنا الألمان إلى تسلل النازيين إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم محاربة بقية الأحزاب السياسية وخلق أجواء تفرد النازيين بالحكم، وتبعات ذلك على القارة الأوروبية.

استغل يسار الوسط الهجوم على إيكي معتبراً إياه بمثابة "إشارة إنذار لا لبس فيها لجميع الناس في هذا البلد"، محملاً "البديل" المسؤولية عن انتشار العنف. وشددت القيادية في حزب شولتز كاثرين ميشيل على أن نصف قادة "البديل من أجل ألمانيا" "يعتبرون الديمقراطيين فريسة مشروعة لهم، وأنصارهم غير مقيدين على الإطلاق". كما ارتفع الخطاب نفسه ضد "البديل" عند بوابة براندنبورغ في برلين، حيث سادت الدعوات إلى عدم التصويت للحزب المتطرف. رفعت غابي بيشوف، مرشحة يسار الوسط إلى انتخابات البرلمان الأوروبي، صوتها في المكان، غير البعيد عن مسار جدار برلين القديم، والذي شطر المدينة إلى شرق وغرب حتى سقوطه في عام 1989، معتبرة ما يجري "تجاوزاً للخط الأحمر". وأضافت أن الهجمات بدوافع سياسية بمثابة استهداف للوحدة والسلام الأوروبيَين، مشيرة إلى أن العنف السياسي في ألمانيا "هو إشارة خطر تتطلب منا نحن الديمقراطيين أن نأخذها بجدية". وذكّرت بيشوف الألمان بأن الهجمات تنم عن "طريقة فاشية نعرفها جيداً من تاريخنا"، رافضة الخضوع لما سمته "الترهيب"، تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في سبتمبر/ أيلول المقبل في كل من ولايات براندنبورغ وساكسونيا وتورينغين، شرقي البلاد.

انعكاس تقدم "البديل"

قلق السياسيين مثل بيشوف وغيرها في اليسار ويسار الوسط، بل حتى في صفوف يمين الوسط، يُربَط محلياً بما يحققه "البديل من أجل ألمانيا" في استطلاعات الرأي. فعلى الرغم من أن الحزب يتعرض منذ بداية العام الحالي لفضائح سياسية تتعلق بمواقفه المتطرفة، والداعية مثلاً إلى ترحيل ملايين المواطنين من أصول مهاجرة، وتغريده خارج السرب الغربي في العلاقة مع روسيا والحرب في أوكرانيا، يسير "البديل" في الولايات المشار إليها بثبات نحو تحقيق نتائج تمكنه من الإمساك بمناصب سياسية قيادية. وتمنحه بعض الاستطلاعات نحو 22 في المائة على المستوى الوطني، ما يجعله يتجاوز أحزاباً تقليدية عريقة. بل إن الحزب يحقق في شرقي ألمانيا تقدماً ملحوظاً في الاستطلاعات بنحو 28 في المائة في ولاية ساكسونيا أنهالت، و35 في المائة في ولايتي تورينغين وساكسونيا.

وتأتي الدعوة إلى "عدم التصويت لحزب البديل" من مختلف التيارات السياسية على خلفية القلق من تجاوز هذا الحزب شعبيتها. وتتنامى التحركات الشعبية في شرقي ألمانيا، والتي تعد معقلاً لليمين المتطرف، لتذكير الشارع بالتاريخ الألماني، وصعود النازية إلى الحكم. وتشكلت أخيراً حركة شعبية تسمى "الجدات المناهضات للجناح اليميني"، الداعية لعدم التصويت لـ"البديل" في انتخابات الخريف المقبل.

رصد العنف السياسي

أكدت وزارة الداخلية في دريسدن أخيراً أنه منذ بداية العام الحالي سُجّلت 110 جرائم بدوافع سياسية، وبعضها مرتبط بانتخابات ساكسونيا وبالأجواء السياسية العامة على المستوى الوطني. واعتبرت وزارة الداخلية الألمانية أن الهجوم الأخير على إيكي "يُعد تصعيداً في أعمال العنف السياسي الذي بات يميّز ألمانيا على نحو متزايد". وأصدر أكثر من مائة سياسي ألماني من مختلف الأحزاب، بعد هجوم الجمعة الماضي، إعلاناً مشتركاً بعنوان "إلى هذا الحد ويكفي"، اعتبر أن الهجوم بمثابة "ضربة لنا جميعاً، كما أنه ضربة للديمقراطية". وأشارت صحيفة دير شبيغل الألمانية إلى أنه لم يوقّع أي من أعضاء "البديل" على الإعلان. ومع ذلك دان زعيم "البديل" نينو شروبالا الهجوم على إيكي، مشدداً على أن "الحملات الانتخابية يجب أن تكون صارمة وبنّاءة من حيث المحتوى".

يشكو حزب البديل نفسه من ظاهرة العنف السياسي

ويشكو حزب البديل نفسه من ظاهرة العنف السياسي في ألمانيا. فقد أفادت شرطة ساكسونيا، الأحد الماضي، بأنه في اليوم التالي للاعتداء على إيكي وعلى عضو ناشط في حزب الخضر كان يعلق الملصقات، هاجمت (السبت الماضي) امرأتان ورجل منصة إعلامية لحزب البديل في دريسدن، ما أدى إلى إتلاف الملصقات والطاولة الانتخابية. ووفقاً لتقارير الشرطة، فإن "البديل" يعد بعد حزبي دي لينكه والخضر اليساريين، الحزب الألماني الأكثر تعرضاً للعنف السياسي من معارضيه الذين يتهمونه بأنه "فاشي وعنصري".

في كل الأحوال، تبدو زيادة العنف السياسي في ألمانيا عند عالم النفس والباحث في شؤون العنف في جامعة بيليفيلد بألمانيا فيلهلم هايتماير "مرتبطة بصورة رئيسية بالنفوذ المتزايد لحزب البديل من أجل ألمانيا في المجتمع". وأشار هايتماير في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية، إلى مساهمة "البديل" في خلق تلك الأجواء العنفية "بتصويره المتهور للسياسيين الآخرين بأنهم فاشلون أو خونة، ما أدى إلى انحدار مستوى التخاطب". ولفت هايتماير خصوصاً إلى استخدام "البديل" خطاباً متطرفاً "يعتبر أن ألمانيا سائرة نحو الفناء وما يشبه يوم قيامة شعب وثقافة البلد"، مبرراً لنفسه استخدام العنف وتعزيز الخطاب القومي اليميني الاستبدادي، "ناسفاً أي سياسات تفاهمية بشأن الصراع الاجتماعي".