طموحات اليمين الصهيوني في شمال غزة

مخطط التهجير في شمال قطاع غزة بين الواقع وطموحات اليمين الصهيوني المتطرف

28 ابريل 2024
عبارتا لن نرحل وغزة حرة على أنقاض الأبنية في بيت لاهيا (عمر القطا/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قطاع غزة ظل محوريًا في الأجندة الصهيونية بعد انسحاب 2005، مع فشل محاولات فصله عن السياق الفلسطيني، وتحوله لميدان مقاومة متطورة، مما دفع لإعادة النظر في التعامل معه والبحث عن حلول لـ"مشكلة" القطاع.
- اليمين الصهيوني المتطرف وحلفاؤه استغلوا حرب الإبادة الجماعية لمحاولة إعادة هندسة الواقع الديموغرافي بقطاع غزة، مستثمرين الغطاء الدولي والإجماع الداخلي لتقليص القطاع جغرافيًا وديموغرافيًا.
- محاولات إسرائيل لتهجير سكان شمال غزة فشلت بسبب إصرار المواطنين على البقاء ودعم مصري بإغلاق معبر رفح، مما أفشل خطط إعادة هندسة الواقع الديموغرافي، رغم استمرار التحديات المتعلقة بالهجرة القسرية وإعادة الإعمار.

فرض قطاع غزّة نفسه على الأجندة الصهيونية، رغم انسحاب أو هروب جيش الاحتلال الصهيوني والمستوطنين منه عام 2005، كون مخطط فصل القطاع وطنيًا وسياسيًا عن السياق الوطني الفلسطيني العام قد فشل فشلاً ذريعًا، بل وتحول القطاع إلى ميدانٍ آخر أعادت المقاومة ترتيب أوراقها فيه، وتطوير مقدراتها وأدائها كمًا ونوعًا، ما دفع التفكير الاستراتيجي الصهيوني إلى إعادة النظر في التعاطي الكلّي مع قطاع غزّة، واجتراح حلولٍ جذريةٍ لحلّ مسألته ضمن إطار التخلص الكامل منه ودفعه نحو مصر، أو إعادة هندسة الواقع الديموغرافي بما يفضي، وعلى عكس الرؤية السابقة، إلى تقليص عدد السكان، بما يسهل تطويعه والتحكم فيه عسكريًا وأمنيًا على المدى الطويل.

في هذا السياق؛ مثّلت حرب الإبادة الجماعية، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، فرصةً نادرةً لليمين الصهيوني الديني المتطرف، ورأس حربته اليمين القومي الفاشي (حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية وقطاعٍ عريض من حزب الليكود)، لإعادة هندسة الواقع الديموغرافي في قطاع غزّة، واستثمار الغطاء الدولي، خصوصًا الغربي، وشبه الإجماع الداخلي الصهيوني على وقع صدمة 7 أكتوبر، وهو ما أوضحه، بما لا يدع مجالاً للشك، مستشار بنيامين نتنياهو للأمن القومي، وصديقه المقرب تساحي هنجبي، عندما أكد  في أيّام الحرب الأولى أن "قطاع غزّة سيتم تقليصه جغرافيًا وديموغرافيًا". كذلك أشار نتنياهو إلى ذلك بصيغةٍ عموميةٍ، عندما صرح أكثر من مرّةٍ بأنّ "إسرائيل عازمةٌ على تغيير الشرق الأوسط"، وكذلك في حديث نتنياهو القديم، الأكثر صراحةً ووضوحًا مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عام 2009، الذي كشف فيه مبارك عن تلقيه عرضًا بتهجير سكان غزّة إلى سيناء، وتكريس وادي غزّة خطاً لحدود القطاع الشمالية.

مخطط التهجير من شمال القطاع قد فشل بعد إصرار أكثر من 400 ألف مواطن على البقاء في منازلهم

وفق الخطط العملياتية لجيش الاحتلال، وتطورات الحرب الميدانية حتّى الآن، تمثّلت خطط القيادة السياسية الصهيونية في تهجير كامل سكان شمال قطاع غزّة وإفراغه (لأغراضٍ عسكريةٍ تكرس منطقةً أمنيةً عازلةً واستيطانيةً، كما أعلن شركاء نتنياهو السياسيون من الأحزاب الصهيونية القومية الدينية، وعقدوا مؤتمرًا لذلك في مدينة القدس المحتلة) إلى جنوب الوادي، الذي يفصل محافظتي غزّة وشمال غزّة عن بقية المحافظات في الجنوب، ومن ثمّ دفع جزءٍ من الكتلة السكانية نحو مصر؛ قسرًا بالأدوات العسكرية، أو بسبب انعدام شروط الحياة الأساسية.

عمليًا؛ أسقط جيش الاحتلال، منذ اليوم الثاني للحرب، منشوراتٍ مقتضبةً من الجو لكلّ السكان القاطنين شمال غرب المنطقة الشمالية للقطاع (من السلك الفاصل شمالًا حتّى مخيم الشاطئ جنوبًا)، تطالبهم بمغادرة مكان سكنهم والتوجه إلى جنوب الوادي، وأعقب ذلك قصفٌ جويٌ عنيفٌ جدًا لكلّ المنطقة، مسببًا نزوح الأفواج الأولى من شمال القطاع إلى جنوبه، ثمّ بعد أيّامٍ من ذلك أسقطت طائرات الاحتلال منشوراتٍ على كلّ مناطق شمال قطاع غزّة تطالب الغزيين بالمغادرة نحو الجنوب للمحافظة على حياتهم، وأُرسِلت رسائل صوتيةٌ على الهواتف المحمولة بذات الفحوى، فضلاً عن الاتصال المباشر مع قاطني آلاف المنازل.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

فعليًا؛ تكفلت الآلة العسكرية الصهيونية الهائلة، ضمن سياق الحرب، بدفع النازحين تدريجيًا نحو التوجه جنوبًا، عبر مفرق الشهداء، الذي سيطر عليه جيش الاحتلال بعد الهجوم البري في أواخر أكتوبر المنصرم. كما أجبر جيش الاحتلال خلال الاجتياحات البرية، والتوغلات التي نفذها في منطقة تل الهوا، ومحيط مستشفى الشفاء، وجنوب حي الزيتون، النازحين على التوجه جنوبًا، عبر شارع الرشيد (البحر)، كذلك نقل جيش الاحتلال المعتقلين، الباحثين عن المساعدات عند دوار الكويت شرقًا، أو النابلسي غربًا، إلى الجنوب.

لكن؛ ورغم كلّ هذه الإجراءات الخشنة، المعبدة بالدماء والقتل والدمار، أو الناعمة بأدواتها النفسية والإعلامية، إلّا أنّ مخطط التهجير من شمال القطاع قد فشل بعد إصرار أكثر من 400 ألف مواطن على البقاء في منازلهم، وبعد تفضيل لاجئي مراكز النزوح في غزّة وجباليا البقاء في مراكزهم، رغم الظروف المعيشية الصعبة،  كما فشل مخطط التهجير جزئيًا أو كليًا في جنوب القطاع، بعد أن أغلق النظام المصري، لأسبابٍ داخليةٍ لا مجال للاستفاضة فيها، معبر رفح، باستثناء حالاتٍ إنسانيةٍ محدودةٍ، وبعد تعزيز قواته المسلّحة، والدفع بمزيدٍ من الموانع المادية على طول الحدود.

تحول القطاع إلى ميدانٍ آخر أعادت المقاومة ترتيب أوراقها فيه، وتطوير مقدراتها وأدائها كمًا ونوعًا

إنّ الصمود والثبات والتصميم الذي أبداه مئات الآلاف من قاطني شمال قطاع غزّة، ورفضهم القاطع ترك منازلهم وممتلكاتهم، أو ما تبقى منها، للنزوح جنوبًا، بالإضافة إلى موقف النظام المصري، والموقف الدولي، خصوصًا الأمريكي والأوروبي، الذي استند إلى صمود وثبات سكان الشمال، قد أفشل مخطط التهجير، وإعادة هندسة الواقع الديموغرافي في القطاع؛ على الأقلّ حتّى الآن.

رغم ذلك لا يمكن اعتبار ملف التهجير، وتغيير الواقع السكاني قد طويَ صهيونيًا بالكامل، فما زال تحدي الهجرة القسرية شاخصًا، بعد تدمير النسبة الكبرى من بنية قطاع غزّة التحتية، وبنائه العمراني، وغياب أيّ رؤيةٍ عمليةٍ قريبةٍ لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، بالإضافة إلى ضبابية الواقع السياسي، وغياب أيّ أفقٍ سياسيٍ مستقبليٍ.

المساهمون