غلاء وتقشّف يحرمان المصريين فرحة صيام رمضان

غلاء وتقشّف يحرمان المصريين فرحة صيام رمضان

12 مارس 2024
في انتظار الزبائن (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تنتاب مروان الحلواني مشاعر متناقضة خلال بداية شهر رمضان، إذ تزداد احتياجات محله الصغير للسكر غير المتوفر في البلاد، في ظل أقسى أزمة سلع تشهدها مصر منذ حرب عام 1973. يقول لـ "العربي الجديد": "صرت بين خيارين كلاهما مر، إما أن أتحايل بما لا أرضاه، ونحن على أعتاب شهر كريم، للحصول على كميات كبيرة من السكر الشحيح أصلاً، وسط تشدد الباعة وبيعهم كميات محدودة فأزيد الأزمة على الآخرين، وإما أن أرضخ للواقع وأحصل على كميات محدودة وأعمل بربع طاقة المحل وأسرح نصف العمال والموظفين. لن أشعر بالراحة في الحالتين". 
ويأتي شهر رمضان هذا العام عقب تعويم الجنيه مجدداً يوم الأربعاء الماضي، ليتجاوز سعر الدولار حاجز الخمسين جنيهاً رسمياً، ويواجه المصريون واحدة من أقسى سنواتهم المعيشية، ما يُثقل عليهم استقبال الشهر الكريم الذي كان يهل قبل سنوات وسط شوق وفرحة كبيرين.
ويعاني المصريون جراء التضخم والارتفاع القياسي في أسعار السلع الأساسية، مثل السكر والزيت والأرز والدقيق، والتي لا يستغني عنها المصريون خلال إعداد موائدهم الرمضانية. وتفاقمت حالة التضخم التي تعيشها مصر منذ أكثر من عامين، لتشهد فصلها الأكثر قسوة هذا العام، في ظل الارتفاع القياسي في أسعار صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي. 
وجاء تغيير سعر الصرف رسمياً ليقترب من السوق الموازي يوم الأربعاء الماضي، ويشكل ضربة موجعة للمصريين في مختلف فئاتهم، ويزيد معاناتهم. وانخفضت قيمة التحويلات إلى المغتربين، فيما جاء رفع السعر رسمياً ليشكل ضربة متوقعة لمن لا يتلقون تحويلات بالدولار، فتقلصت قيمة مدخراتهم إلى النصف.
الانخفاض من خمسة وسبعين جنيهاً للدولار إلى أربعين ثم إلى خمسين رسمياً لم يترجم في أسعار السلع، بحسب التقارير الرسمية التي لم ترصد انخفاضاً لافتاً في معدلات التضخم بحسب متعاملين بالأسواق. وسجلت تقارير الجهاز المركزي للإحصاء والغرف التجارية نسبة تضخم بلغت 26 في المائة في يناير/ كانون الأول الماضي في مقابل 8 في المائة من العام الماضي، ما انعكس على أسعار السلع الأساسية مثل السكر الذي سجل ارتفاعاً زاد على 65 في المائة، والأرز بنسبة 15 في المائة، والدجاج ما يزيد على 20.6 في المائة، واللحوم ما يزيد على 35 في المائة، فيما سجلت أسعار الزيوت نفس المستويات بتسجيل ارتفاع تجاوز الـ 15 في المائة بالمقارنة مع أسعار العام الماضي.

التضخم غير المسبوق جعل خيارات المصريين في شهر رمضان محدودة

وسجلت أسعار التمر ارتفاعاً قارب 50 في المائة وتجاوز سعره 50 جنيهاً للكيلوغرام الواحد مقارنة بـ 25 جنيهاً في العام الماضي، وهو ما انسحب على أسعار الزبيب والفستق والبندق وعين الجمل وقمر الدين. حالة التضخم غير المسبوقة جعلت خيارات المصريين في مواجهة تبعات شهر رمضان محدودة. ويقول أحمد، وهو أستاذ جامعي تحفظ على ذكر اسمه كاملاً، إنه بات مضطراً لتقليل حجم الاستهلاك والاكتفاء فقط بالسلع الضرورية. كما أنه لن يكون بإمكان زوجته إعداد أطعمة رمضانية مثل الكنافة والبسبوسة والقطايف، في ظل الارتفاع اللافت في أسعار الحبوب والدقيق والسكر. وكان وجود هذه الحلويات على المائدة يومياً تقليداً رمضانياً حتى وقت قريب.
يضيف أحمد في حديثه لـ"العربي الجديد": "كان الله في عون أصحاب الدخل غير المنتظم أو المحدود. فإذا كان هذا هو حالنا، ونحن في إطار وظيفي يُعد متميزاً، كما يقال، فكيف يكون حالهم؟".

الصورة
فوانيس رمضان (عامر مكار/ فرانس برس)
فوانيس رمضان (أمير مقار/فرانس برس)

يقول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إن "الأوضاع ستكون شديدة الصعوبة على الغالبية العظمى من المصريين نتيجة التخبط الحكومي وانهيار سعر صرف الجنيه ومعدلات التضخم غير المسبوقة". ويؤكد أن الحكومة المصرية تضع المصريين في المأزق بسياساتها الخاطئة، ثم تطلب منهم إيجاد الحلول، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن غالبية المصريين لا يملكون سوى الصيام كحل لمواجهة هذه الأزمات.
ويشير خزيم إلى أن المصريين جربوا كل أنواع التقشف خلال الأشهر الماضية، واستغنوا عن الأشياء والسلع غير الضرورية، وعدلوا من أنماط استهلاكهم، ومع ذلك، فإن أسعار السلع الأساسية إلى تزايد، فضلاً عن أن غياب الثقة في قرارات الحكومة وفي إمكانية تراجع الأسعار تدفعهم إلى تخزين السلع الضرورية مثل الزيت والأرز بشكل قد يخلق أزمة في هاتين السلعتين ويكرر سيناريو أزمة السكر المشتعلة منذ فترة.

يتزايد اعتماد المصريين على الأكلات الشعبية للتغلب على زيادة الأسعار

وتوقع أن تضيق الارتفاعات القياسية في أسعار السلع الخناق على المصريين، ولن تجد الأسر غير الكف عن بعض العادات الرمضانية المحببة لها خلال الشهر الكريم، في مقدمتها ما يطلق عليها "العزومات".
كما أنه من المتوقع أن ترفع الأسر المصرية شعار "التقشف هو الحل" لضمان مرور الشهر الكريم من دون أزمات، من خلال الاستغناء عن اللحوم معظم أيام الأسبوع في ظل ارتفاع أسعارها. وسجلت اللحوم البلدية ارتفاعاً ما بين 320 جنيهاً و380  جنيهاً في الأحياء الشعبية، فيما تجاوزت 500 جنيه في المدن الكبرى وعواصم الأقاليم، وهو الشيء نفسه الذي يتكرر مع الدجاج الذي ارتفع سعره إلى 100 جنيه بعدما كان قد تجاوز 110 خلال الأسابيع الماضية.
وستدفع هذه الارتفاعات غير المسبوقة العديد من الأسر إلى مقاطعة هذه المنتجات مقاطعة إجبارية في غالبية أيام الشهر الكريم، والرهان على الأكلات الشعبية ذات الكلفة المنخفضة طوال أيام الشهر. 

وأطاحت الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة التي تعاني منها الأسر المصرية وصعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية مظهراً من مظاهر رمضان، وهي عروض السلاسل التجارية، إذ كانت الأسر المصرية تراهن على هذه المعارض، ومنها معرض "أهلاً رمضان" لتلبية هذه الاحتياجات.
الارتفاع القياسي في أسعار السلع جعل الأسر عاجزة عن شراء "شنط (حقائب) رمضان" كما جرت العادة، لا سيما أن العروض المقدمة من سلاسل التجزئة الكبرى لم تعد في متناول الأسر المتوسطة، إذ وصلت أسعار "شنطة (حقيبة) رمضان" إلى ما بين 280 و380 جنيهاً لكميات محدودة جداً من المنتجات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول تسرب سلع منتهية الصلاحية إلى المستهلكين انطلاقاً من رغبة هذه السلاسل في تحقيق مكاسب".
ويقول مواطنون لـ "العربي الجديد" إن الأزمة الاقتصادية الحادة أدت إلى بيع لحوم أطلق عليها "لحوم سودانية" في مقابل 27 جنيهاً للكيلوغرام الواحد، وسط إقبال كبير، علماً أن ضباطاً ومساعدي شرطة ينظمون حركة الشراء التي أقبلت عليها طبقات محدودة الدخل وسط شكوك كبيرة في صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
في المقابل، يبدو الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أقل تشاؤماً، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن تقليل الاستهلاك والتركيز على السلع الضرورية والرهان على تخفيضات السلاسل التجارية ومعارض أهلاً رمضان والمجمعات الاستهلاكية يقدم فرصة لتجاوز هذا الشهر الكريم بأقل قدر من الأزمات. ويشير إلى أن سلعاً مثل المكسرات وقمر الدين والزبيب باتت من الماضي لفئات عديدة، ولن تظهر في موائد الغالبية العظمى من المصريين في رمضان، بسبب الارتفاع المتزايد في أسعارها بعد تراجع قيمة الجنيه، معتبراً أن استمرار "شنط رمضان" المقدمة من قبل الفئات الاجتماعية الأكثر ثراء، قد يخفف من حدة الأزمة.
ويلفت إلى أن ترشيد الاستهلاك قد يحول دون المعاناة من حدوث أزمات في سلع أساسية، مثل الزيت والأرز خلال رمضان، مشدداً على ضرورة تدخل الحكومة لضخ كميات كبيرة من هذه السلع الأساسية في المجمعات الاستهلاكية ومعارض "تحيا مصر" وغيرها لمنع التجار من استغلال أزمة زيادة الاستهلاك في رمضان، باعتبار أن هذه المعارض تبقى حائط الأمن الرئيسي خلال هذا الشهر.