يختزل بعضهم صورة مصر العريقة في مشهدٍ واحد، إمّا أن يعظم مصر وإمّا أن يقزمها، وهي أكبر من ذلك بكثير، فنحن أمام حضارة ممتدة في عمق التاريخ، وربما ما زالت.
يتعمّق الشعور المصري بالإهانة حين نرى أطنانا من المساعدات عالقة عند معبر رفح المصري، ولا تمر إلا بتفتيش من حرس الحدود الإسرائيلي، فيمرّر ما يشاء ويمنع ما يشاء.
إن مصر تشبه ثقباً أسود يزداد جاذبية كلّما مرّ عليه الزمن، وسوف تطاردك تلك الجاذبية إلى الأبد مهما ابتعدت أو ظننت أنك في مأمن، فلا أمل في المقاومة ولا داعي لها... فقط استسلم لمصيرك المحتوم وابتسم، وأنت تتخيّل قدمك البائسة تطأ أرضها مرّة أخرى..
حين نكتسب بالعلم والوعي ثقلاً ووزنا ناتجا في المقام الأول عن إيماننا بأنّ الإنسان مُكرّم من قبل الخالق عزّ وجل، وحين ندرك أنّ جريمة إلقاء الناس في الصحراء عند منزّل القرآن أكبر وأعظم من حرق القرآن.. حينها نستطيع منع الجميع من الاعتداء على مقدّساتنا.
إنّ حل معضلة العنصرية يكون، إمّا بالقضاء على كلّ الانتماءات التي تفرّق بين البشر، وهذا درب من دروب الخيال، وإمّا بتطبيق القانون من قبل الدولة بكلّ حزم على كلّ من تدفعه عنصريته لارتكاب الجرائم. ولكن ماذا نفعل حين تغيب الدولة؟
بعد إحراق أحدهم نسخة من القرآن الكريم في السويد، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضن مصحفا، وهو يقول: "روسيا تكنّ احتراما شديدا للقرآن ولمشاعر المسلمين الدينية، وعدم احترام هذا الكتاب المقدس في روسيا جريمة". ماذا عن قتله المسلمين في سورية وغيرها؟
جاء لقاء خيري رمضان مع زيدان في معرض دفاع الأخير عن قرار البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، بالسماح لأتباعه باستخراج تأشيرة إسرائيلية والذهاب إلى القدس المحتلة لزيارة المقدسات المسيحية هناك، بعد أن كان قد منعها سلفه البابا شنودة لأسباب سياسية.
ربما يستطيع من يراقب الوضع السياسي الملتبس في مصر أن يرسم المسار، الذي اتخذته القيادات الإخوانية المتصدرة للمشهد الحالي نحو التسوية، على الرغم من نفيهم الرسمي الدائم لهذا الأمر، والذي يعزوه البعض إلى احتواء غضب شباب الجماعة وذوي الضحايا.
لن يكون باسل الأعرج آخر المترجلين من ركب المثقفين المقاومين في سبيل حرية تلك الأرض المباركة، كما لم يكن أولهم، لكن عزاءنا أن دماء هؤلاء وغيرهم تنير لنا الطريق وتصهر جبال ثلج يأسنا التي تراكمت على عقولنا وقلوبنا.